القمم العربية.. توطيد وترسيخ للتعاون العربي الشامل
القمم العربية.. توطيد وترسيخ للتعاون العربي الشامل
تستضيف المملكة العربية السعودية في مدينة جدة، الجمعة، القمة العربية العادية في دورتها الـ(32)، بمشاركة قادة الدول العربية ورؤساء الوفود.
وتأتي استضافة المملكة للقمة العربية الـ32 امتداداً لدورها القيادي على المستوى الإقليمي والدولي، وحرص قيادتها على تعزيز التواصل مع قيادات الدول العربية والتباحث المستمر وتنسيق المواقف حيال الملفات والقضايا ذات الاهتمام المشترك، وفق وكالة الأنباء السعودية "واس".
وتُعقد الدورة الـ32 للقمة العربية في ظروف استثنائية تمر بها المنطقة والعالم من أزمات وصراعات إقليمية ودولية، تحتم على الدول العربية إيجاد آليات تستطيع من خلالها مواجهة التحديات المشتركة، وتعزز الأمن والاستقرار الإقليمي، وتحقق الرفاه لدولها وشعوبها، ما يستوجب تطوير آليات التنسيق السياسي تحت مظلة جامعة الدول العربية، وتعزيز التعاون الاقتصادي ودفع عجلة التنمية في مختلف المجالات التي تمس المواطن العربي بشكل مباشر.
وتكمن أهمية القمة في كونها تُعقد في ظل مستجدات الأحداث التي تشهدها المنطقة والعالم، ودعم قيادة المملكة للجهود الرامية إلى تحقيق السلام والأمن والاستقرار والازدهار في المنطقة.
وشهدت مسيرة القمم العربية منذ تأسيسها في مارس من عام 1945م، انعقاد 43 قمة منها 31 عادية، آخرها كان في الجزائر، عام 2022، و12 قمة عربية استثنائية (غير عادية)، كان آخرها قمة مكة المكرمة 2019، و4 قمم عربية تنموية: اقتصادية واجتماعية، إضافة إلى عدد من القمم العربية مع تجمعات وتكتلات إقليمية منها: (4 قمم عربية- إفريقية)، و4 قمم (عربية- أمريكية جنوبية)، وقمة عربية أوروبية 2019 (مصر)، وقمة عربية إسلامية أمريكية، والقمة العربية الصينية الأولى التي استضافتها المملكة العربية السعودية ديسمبر من العام الماضي.
وبدأت باكورة تلك القمم في مايو عام 1946م عبر عقد قمة "أنشاص" الاستثنائية بالإسكندرية لمناصرة القضية الفلسطينية التي أكدت قضية فلسطين وعروبتها وعدتها في قلب القضايا العربية الأساسية.
تلاها في نوفمبر عام 1956م، أي بعد عقد من الزمان انعقاد "قمة بيروت" في لبنان، لدعم مصر ضد العدوان الثلاثي، داعية إلى الوقوف إلى جانبها ضد هذا العدوان، والتأكيد على سيادتها لقناة السويس وفق معاهدة عام 1888م، والمبادئ الستة التي أقرها مجلس الأمن الدولي في 13/ 10/ 1956م.
وشهدت قمة القاهرة في عام 1964م، تحولاً تاريخياً في مسيرة العمل العربي المشترك، إذ اكتسبت الصفة الرسمية للقمم العربية، وشددت في مضامين قراراتها على وجوب تنقية الأجواء العربية من الخلافات، ودعم التضامن العربي وترسيخه، وعدّت قيام إسرائيل خطراً يهدد الأمة العربية، إضافة إلى الدعوة إلى إنشاء قيادة موحدة لجيوش الدول العربية.
وأقر القادة العرب المشاركون في القمة دورية اجتماعات القمة، بحيث يجتمع ملوك ورؤساء دول الجامعة العربية مرة في العام على الأقل.
وخلال الفترة ذاتها وتحديداً في شهر سبتمبر من العام نفسه، عُقد مؤتمر القمة العربي العادي الثاني في مدينة الإسكندرية، الذي دعا إلى تعزيز القدرات الدفاعية العربية، مرحباً بقيام منظمة التحرير الفلسطينية واعتمادها ممثلاً للشعب الفلسطيني.
كما دعا إلى التعاون العربي في مجال البحوث الذرية لخدمة الأغراض السلمية، كذلك في المجالات الاقتصادية والثقافية والإعلامية، إلى جانب دعم التضامن والعمل العربي المشترك، وإنشاء محكمة العدل العربية.
وسيراً على النهج الذي اختطه القادة العرب بعقد القمة بشكل سنوي، استضافت مدينة الدار البيضاء بالمملكة المغربية في سبتمبر عام 1965 م، القمة العربية العادية الثالثة، وتوجت أعمالها بالموافقة على ميثاق التضامن العربي والالتزام به ودعم قضية فلسطين في جميع المحافل الدولية وتأييد نزع السلاح ومنع انتشار الأسلحة النووية وحل الخلافات الدولية بالطرق السلمية.
وجاءت القمة العربية العادية الرابعة التي عقدت في العاصمة السودانية الخرطوم في أغسطس 1967م، لتجدد أهمية وحدة الصف العربي، وإزالة آثار العدوان الإسرائيلي على الأراضي العربية المحتلة عام 1967م، في حين أقر المجتمعون إنشاء صندوق الإنماء الاقتصادي الاجتماعي العربي، فيما عقد مؤتمر القمة العربي العادي الخامس في العاصمة المغربية الرباط في ديسمبر 1969م.
وظلت القضية الفلسطينية الهاجس الأكبر للقادة العرب ومحور أعمال القمة العربية العادية السادسة بالجزائر في نوفمبر 1973م، التي دعت إلى الانسحاب الإسرائيلي من جميع الأراضي العربية المحتلة بما فيها القدس، وإلى استعادة الشعب الفلسطيني حقوقه الوطنية المشروعة، مرحبةً بانضمام الجمهورية الموريتانية إلى جامعة الدول العربية.
وبدعوة من المملكة العربية السعودية عقدت في مدينة الرياض، في أكتوبر 1976م، قمة عربية مصغرة شملت 6 دول عربية، بهدف وقف نزيف الدم في لبنان وإعادة الحياة الطبيعية إليها واحترام سيادة لبنان ورفض تقسيمه، وإعادة إعماره.
مشروع للسلام العربي
وسعياً من المملكة العربية السعودية إلى جانب أشقائها العرب، جاء مشروع الملك فهد للسلام في الشرق الأوسط، وأقر كمشروع للسلام العربي، خلال مؤتمر القمة العربية العادية الثانية عشرة في مدينة فاس المغربية الذي عقد على مرحلتين، الأولى في نوفمبر 1981م، والثانية في عام 1982م.
وخرجت هذه القمة بإدانة عربية للعدوان الإسرائيلي على شعب لبنان وأرضه، وقرر دعم لبنان في كل ما يؤول إلى تنفيذ قرارات مجلس الأمن القاضية بانسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية حتى الحدود الدولية المعترف بها.
خطوات لدعم العروبة
وظلت المملكة العربية السعودية، تعمل بخطى حثيثة دعماً للعروبة واضطلاعاً بدورها المحوري، فكانت مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود للسلام في الشرق الأوسط، محور أعمال القمة العربية العادية الرابعة عشرة في العاصمة اللبنانية بيروت في مارس 2002م، إذ تبنى المؤتمر هذه المبادرة وأصبحت مبادرة عربية للسلام.
وفي مؤتمر القمة العربية العادية السابعة عشرة في الجزائر في مارس 2005م كان موضوع الصراع الفلسطيني/ الإسرائيلي، الأبرز على جدول أعمال القمة، حيث جدد القادة العرب فيه الالتزام بمبادرة السلام العربية بوصفها المشروع العربي لتحقيق السلام العادل والشامل والدائم، وأدان المؤتمر استمرار إسرائيل في بناء الجدار التوسعي، مؤكداً الأهمية الفائقة لقرار محكمة العدل الدولية الصادرة بهذا الشأن.
وجددت "قمة الجزائر" الإدانة القاطعة للإرهاب بجميع أشكاله، والتأكيد على أهمية ما توصل إليه المؤتمر الدولي للإرهاب الذي عقد في الرياض في فبراير 2005م خاصة ما يتعلق بإنشاء مركز دولي لمكافحة الإرهاب.
وعقد مؤتمر القمة العربية العادي الثامنة عشرة في الخرطوم في مارس 2006م الذي جدد تأكيده مركزية قضية فلسطين وعلى الخيار العربي لتحقيق السلام العادل والشامل في الشرق الأوسط، في حين جدد القادة تمسكهم بالمبادرة العربية للسلام التي أقرتها القمة العربية في بيروت عام 2002م.
ولمكانة المملكة العربية السعودية، وعمقها الاستراتيجي العربي، استضافت العاصمة الرياض في مارس 2007م، أعمال القمة العربية العادية التاسعة عشرة.
وأكد القادة العرب في "إعلان الرياض" الصادر في ختام القمة ضرورة العمل الجاد لتحصين الهوية العربية ودعم مقوماتها ومرتكزاتها وترسيخ الانتماء إليها في قلوب الأطفال والناشئة والشباب وعقولهم، وقرروا إعطاء أولوية قصوى لتطوير التعليم ومناهجه في العالم العربي، بما يعمق الانتماء العربي المشترك، ويستجيب لحاجات التطوير والتحديث والتنمية الشاملة، ويرسخ قيم الحوار والإبداع، ويكرس مبادئ حقوق الإنسان والمشاركة الإيجابية الفاعلة للمرأة.
فلسطين وشعبها في وجدان العرب
واستضافت المملكة العربية السعودية بمدينة الظهران في 15 إبريل 2018م أعمال القمة العربية التاسعة والعشرين، وأعلن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، عن تسمية القمة بـ"قمة القدس"، وقال: "ليعلم القاصي والداني أن فلسطين وشعبها في وجدان العرب والمسلمين"، كما أعلن الملك سلمان عن تبرع المملكة بمبلغ "150" مليون دولار لبرنامج دعم الأوقاف الإسلامية في القدس، كذلك تبرع المملكة بمبلغ "50" مليون دولار لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى "الأونروا".
وشهدت أراضي السعودية وتحديداً مكة المكرمة استضافة القمة الاستثنائية الثانية عشرة، وذلك في 30 مايو 2019م، لبحث التدخل الإيراني في المنطقة، إثر الهجوم الذي استهدف سفناً تجارية في المياه الإقليمية لدولة الإمارات العربية المتحدة، وهجوم الحوثيين على محطتي ضخ نفطيتين بالسعودية
وعقدت القمة الحادية والثلاثون بالجزائر في نوفمبر 2022م، حيث كان من المفترض عقدها في 2020م، إلا أنها تأجلت بسبب جائحة فيروس كورونا، وتصدرت القضية الفلسطينية جدول أعمال القمة التي كررت الـتأكيد على مركزية القضية الفلسطينية للأمة العربية جمعاء، إضافة إلى تمسك العرب بالسلام كخيار استراتيجي، وحل الصراع العربي الإسرائيلي، وفق قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية لعام 2002م بكافة عناصرها.